تحقيق ملكي مع رئيس وأعضاء مجلس المنافسة.. هل وضع ملف المحروقات رأس الكراوي تحت المقصلة؟
لم يكن أشد المتشائمين يتوقع أن يصل الصدام بين رئيس مجلس المنافسة، إدريس الكراوي، وبين شركات المحروقات في المغرب، إلى القصر الملكي، وذلك بعد القرار الصادر عن المجلس بإدانة تلك المؤسسات وفرض غرامات عليها، قبل أن يفاجِئ أعضاء المجلس نفسه رئيسهم باعتراضهم على هذا القرار أمام الملك مباشرة، الشيء الذي عجل بإجراء غير مسبوق في تاريخ المغرب، تمثل في تكليف أعضاء مجموعة من المؤسسات الدستورية بالتحقيق في الموضوع.
ويَشي البلاغ الصادر عن الديوان الملكي بحدة الصراع الموجود بين الكراوي من جهة وشركات المحروقات ومجموعة من أعضاء مجلس المنافسة من جهة أخرى، فالملك توصل بتاريخ 23 يوليوز 2020 بمذكرة من رئيس المجلس تتهم بوضوح شركات المحروقات وتجمع النفطيين بالتواطؤ، لذلك تقرر فرض غرامة على الموزعين الثلاثة الرائدين بقيمة 9 في المائة من رقم المعاملات السنوي.
والرائدون الثلاث هم أكبر شركات المحروقات بالمغرب، أي شركة "أفريقيا" المملوكة لعزيز أخنوش وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، المستحوذة على 29 في المائة من حصة السوق، و"فيفو إينيرجي" الموزعة لمنتجات "شال"، المستحوذة على 16 في المائة، وأخيرا "توتال المغرب" صاحبة حصة 14 في المائة، وذلك وفق تقرير برلماني حول أسعار المحروقات صدر سنة 2018.
ووفق بلاغ الديوان الملكي، فإن الملك توصل اليوم الثلاثاء 28 يوليوز 2020 بمذكرة ثانية من رئيس مجلس المنافسة حول الموضوع نفسه، والتي تتعلق بقيمة الغرامات المفروضة على الموزعين خلال الجلسة العامة التي عقدت يوم 27 يوليوز، وهذه المرة حُدد المبلغ في 8 في المائة من رقم معاملات الشركات السنوي، لكن الإجراء العقابي شمل هذه المرة جميع الشركات لا الموزعين الثلاثة الرائدين فقط.
لكن المفاجأة التي تلت ذلك، هي توصل الملك في اليوم نفسه بورقة صادرة عن "العديد من أعضاء مجلس المنافسة، يبرزون من خلالها أن تدبير هذا الملف اتسم بتجاوزات مسطرية وممارسات من طرف الرئيس مست جودة ونزاهة القرار الذي اتخذه المجلس"، وفق ما جاء في بلاغ الديوان الملكي نفسه.
وحملت مراسلة أعضاء المجلس العديد من "التظلمات" التي يمكن تصنيفها كـ"تُهم ثقيلة" في حق الكراوي، وفي مقدمتها "التواصل الذي أضر ببحث القضية ومصداقية المجلس"، في إشارة إلى التسريبات التي صاحبت العملية، بالإضافة إلى "اللجوء الإجباري إلى التصويت قبل إغلاق باب المناقشة"، وهو ما يطرح علامات استفهام حول مصداقية التصويت الذي أُعلنت نتيجته للملك في المراسلة الأولى، والتي أوردت أن 12 عضوا وافقوا على إدانة شركات المحروقات مقابل اعتراض عضو واحد.
وتابعت الوثيقة أن الكراوي وقع في "التفسير المبتور وانتهاك المادة 39 من القانون المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة"، وهي المادة التي تنص على أنه "يجوز لمجلس المنافسة أن يصدر عقوبة مالية تطبق إما فورا أو في حالة عدم تنفيذ الأوامر أو في حالة عدم احترام التعهدات التي قبلها المجلس"، مضيفة أن العقوبات المالية يجب أن تتناسب مع خطورة الأفعال المؤاخذ عليها وأهمية الضرر الملحق بالاقتصاد ومع وضعية الهيأة أو المنشأة الصادرة ضدها العقوبة أو المجموعة التي تنتمي إليها المنشأة، مبرزة أن "المبلغ الأقصى للعقوبة هو 10 في المائة من مبلغ رقم المعاملات الأعلى العالمي أو الوطني، بالنسبة للمنشآت التي ليس لها نشاط دولي"، وهو ما استندت عليه العقوبة الصادرة في حق شركات المحروقات.
لكن مراسلة الأعضاء لم تقف عند هذا الحد، فقد تحدثت عن "غموض الإجراء الخاص بالتحقيق والذي تميز بتقاسم انتقائي للوثائق"، ما يفهم منه أن الوثائق التي كانت تُعرض بخصوص وضعية بعض الشركات تختلف عن نظيرتها المتعلقة بشركات أخرى، إلى جانب "عدم تلبية ملتمسات الأعضاء بهدف إجراء بحث متوازن للحجج المقدمة من طرف الشركات"، وهو اتهام صريح للكراوي بالتحيز أثناء التحقيقات.
لكن أخطر ما حملته الوثيقة الموجهة للملك هو الحديث عن "سلوك الرئيس الذي يوحي بأنه يتصرف بناء على تعليمات أو وفق أجندة شخصية"، وهو الأمر الذي يطعن مباشرة في نزاهة الكراوي، ويفسر القرار النهائي للملك بتعيين رئيس الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ضمن أعضاء اللجنة المكلفة بإجراء التحقيقات الضرورية حول هذا الموضوع.
وحسب بلاغ الديوان الملكي، فإن "الارتباك المحيط بهذا الملف والنسخ المتناقضة المقدمة"، كان الدافع لتشكيل اللجنة المذكورة، والتي تتكون أيضا من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين ورئيس المحكمة الدستورية ورئيس المجلس الأعلى للحسابات ووالي بنك المغرب، والتي يتكفل الأمين العام للحكومة بمهمة التنسيق بين أعضائها.
لكن بلاغ الديوان الملكي تفادى الإدانة القبلية لرئيس مجلس المنافسة أو لشركات المحروقات، كونه أشار إلى أن الملك "متمسك بشدة باستقلالية ومصداقية المؤسسات وضمان حسن سير عملها"، ما يعني أن نتائج التحقيق ستكون كفيلة بإثبات الجهات المتورطة في التأثير على هذه التحقيقات، وهو ما يمكن ترجمته ضمنيا إلى أن اللجنة ستكشف علنا ما إذا كان الكراوي أو أعضاء اللجنة قد تعرضوا لتأثيرات خارجية مست استقلالية عملهم الذي عرضت نتيجته النهائية على عاهل البلاد، وأيضا مدى تورط شركات المحروقات في هذا التأثير المفترض.